الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»
وهي الطبقة السادسة من طبقات جهنم. حكاه الماوردي عن الكلبي.وحكى القشيري عنه: الْحُطَمَةِ الدركة الثانية من درك النار.وقال الضحاك: وهي الدرك الرابع. ابن زيد: اسم من أسماء جهنم. {وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ} على التعظيم لشأنها، والتفخيم لأمرها.ثم فسرها ما هي فقال: {نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ} أي التي أوقد عليها ألف عام، وألف عام، وألف عام، فهي غير خامدة، أعدها الله للعصاة. {الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ} قال محمد بن كعب: تأكل النار جميع ما في أجسادهم، حتى إذا بلغت إلى الفؤاد، خلقوا خلقا جديدا، فرجعت تأكلهم. وكذا روى خالد بن أبي عمران عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أن النار تأكل أهلها، حتى إذا اطلعت على أفئدتهم انتهت، ثم إذا صدروا تعود، فذلك قوله تعالى: {نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ. الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ}». وخص الأفئدة لان الألم إذا صار إلى الفؤاد مات صاحبه. أي إنه في حال من يموت وهم لا يموتون، كما قال الله تعالى: {لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى} [طه: 74] فهم إذا أحياء في معنى الأموات.وقيل: معنى {تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ} أي تعلم مقدار ما يستحقه كل واحد منهم من العذاب، وذلك بما استبقاه الله تعالى من الامارة الدالة عليه. ويقال: أطلع فلان على كذا: أي علمه. وقد قال الله تعالى: {تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى} [المعارج: 17].وقال تعالى: {إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً} [الفرقان: 12]. فوصفها بهذا، فلا يبعد أن توصف بالعلم.
{فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ} الفاء بمعنى الباء أي مؤصدة بعمد ممددة قاله ابن مسعود وهي في قراءته {بعمد ممددة} وفي حديث أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثم إن الله يبعث إليهم ملائكة بأطباق من نار، ومسامير من نار وعمد من نار، فتطبق عليهم بتلك الاطباق، وتشد عليهم بتلك المسامير وتمد بتلك العمد، فلا يبقى فيها خلل يدخل فيه روح، ولا يخرج منه غم، وينساهم الرحمن على عرشه، ويتشاغل أهل الجنة بنعيمهم، ولا يستغيثون بعدها أبدا، وينقطع الكلام، فيكون كلامهم زفيرا وشهيقا، فذلك قوله تعالى: {إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ. فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ}».وقال قتادة: عَمَدٍ يعذبون بها. واختاره الطبري.وقال ابن عباس: إن العمد الممددة أغلال في أعناقهم.وقيل: قيود في أرجلهم، قاله أبو صالح.وقال القشيري: والمعظم على أن العمد أوتاد الاطباق التي تطبق على أهل النار. وتشد تلك الاطباق بالأوتاد، حتى يرجع عليهم غمها وحرها، فلا يدخل عليهم روح.وقيل: أبواب النار مطبقة عليهم وهم في عمد، أي في سلاسل وأغلال مطولة، وهي أحكم وأرسخ من القصيرة.وقيل: هم في عمد ممددة، أي في عذابها وآلامها يضربون بها.وقيل: المعنى في دهر ممدود، أي لا انقطاع له. وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم {في عمد} بضم العين والميم: جمع عمود. وكذلك عَمَدٍ أيضا. قال الفراء: والعمد والعمد: جمعان صحيحان لعمود، مثل أديم وأدم وأدم، وأفيق وافق وافق. أبو عبيدة: عمد: جمع عماد، مثل إهاب. وأختار أبو عبيد عَمَدٍ بفتحتين. وكذلك أبو حاتم، اعتبارا بقوله تعالى: {رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها} [الرعد: 2]. وأجمعوا على فتحها. قال الجوهري: العمود: عمود البيت، وجمع القلة: أعمدة، وجمع الكثرة عمد، وعمد، وقرئ بهما قوله تعالى: {في عمود ممددة}.وقال أبو عبيدة: العمود، كل مستطيل من خشب أو حديد، وهو أصل للبناء مثل العماد. عمدت الشيء فانعمد، أي أقمته بعماد يعتمد عليه. وأعمدته جعلت تحته عمدا. والله أعلم.
فلما نزل أبرهة بالمغمس، بعث رجلا من الحبشة يقال له الأسود بن مقصود على خيل له، حتى انتهى إلى مكة فساق إليه أموال أهل تهامة من قريش وغيرهم، وأصاب فيها مائتي بعير لعبد المطلب بن هاشم، وهو يومئذ كبير قريش وسيدها، فهمت قريش وكنانة وهذيل ومن كان بذلك الحرم بقتاله، ثم عرفوا أنهم لا طاقة لهم به، فتركوا ذلك. وبعث أبرهة حناطة الحميري إلى مكة، وقال له: سل عن سيد هذا البلد وشريفهم، ثم قل له: إن الملك يقول: إني لم آت لحربكم، إنما جئت لهدم هذا البيت، فإن لم تعرضوا لي بحرب، فلا حاجة لي بدمائكم، فإن هو لم يرد حربي فأتني به. فلما دخل حناطة مكة، سأل عن سيد قريش وشريفها، فقيل له: عبد المطلب بن هاشم، فجاءه فقال له ما أمره به أبرهة، فقال له عبد المطلب: والله ما نريد حربه، وما لنا بذلك منه طاقة، هذا بيت الله الحرام، وبئت خليله إبراهيم عليه السلام، أو كما قال، فإن يمنعه منه فهو حرمه وبيته، وإن يحل بينه وبينه، فوالله ما عندنا دفع عنه. فقال له حناطة: فانطلق إليه، فإنه قد أمرني أن آتيه بك، فانطلق معه عبد المطلب، ومعه بعض بنيه، حتى أتى العسكر، فسأل عن ذي نفر، وكان صديقا له، حتى دخل عليه وهو في محبسه، فقال له: يا ذا نفر، هل عندك من غناء فيما نزل بنا؟ فقال له ذو نفر، وما غناء رجل أسير بيدي ملك، ينتظر أن يقتله غدوا وعشيا! ما عندي غناء في شيء مما نزل بك، إلا أن أنيسا سائس الفيل صديق لي، فسأرسل إليه، وأوصيه بك، وأعظم عليه حقك، وأسأله أن يستأذن لك على الملك، فتكلمه بما بدا لك، ويشفع لك عنده بخير إن قدر على ذلك، فقال حسبي. فبعث ذو نفر إلى أنيس، فقال له:إن عبد المطلب سيد قريش، وصاحب عين مكة، ويطعم الناس بالسهل، والوحوش في رءوس الجبال، وقد أصاب له الملك مائتي بعير، فاستأذن له عليه، وأنفعه عنده بما استطعت، فقال: أفعل. فكلم أنيس أبرهة، فقال له: أيها الملك، هذا سيد قريش ببابك، يستأذن عليك، وهو صاحب عين مكة، يطعم الناس بالسهل، والوحوش في رءوس الجبال، فأذن له عليك، فيكلمك في حاجته. قال: فأذن له أبرهة. وكان عبد المطلب أوسم الناس، وأعظمهم وأجملهم، فلما رآه أبرهة أجله، وأعظمه عن أن يجلسه تحته، فنزل أبرهة عن سريره، فجلس على بساطه وأجلسه معه عليه إلى جنبه. ثم قال لترجمانه: قل له: حاجتك؟ فقال له ذلك الترجمان، فقال: حاجتي أن يرد علي الملك مائتي بعير أصابها لي. فلما قال له ذلك، قال أبرهة لترجمانه: قل له لقد كنت أعجبتني حين رأيتك، ثم قد زهدت فيك حين كلمتني، أتكلمني في مائتي بعير أصبتها لك، وتترك بيتا هو دينك ودين آبائك، قد جئت لهدمه؟ لا تكلمني فيه! قال له عبد المطلب: إني أنا رب الإبل، وإن للبيت ربا سيمنعه. قال: ما كان ليمتنع مني! قال أنت وذاك. فرد عليه إبله. وانصرف عبد المطلب إلى قريش، فأخبرهم الخبر، وأمرهم بالخروج من مكة والتحرز في شعف الجبال والشعاب، تخوفا عليهم معرة الجيش. ثم قام عبد المطلب فأخذ بحلقة باب الكعبة، وقام معه نفر من قريش، يدعون الله ويستنصرونه على أبرهة وجنده، فقال عبد المطلب وهو آخذ بحلقة باب الكعبة: يقول: أي: شيء ما بدا لك، لم تكن تفعله بنا. والحلال: جمع حل. والمحال: القوة وقيل: إن عبد المطلب لما أخذ بحلقة باب الكعبة قال: وقال عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي: قال ابن إسحاق: ثم أرسل عبد المطلب حلقة باب الكعبة، ثم أنطلق هو ومن معه من قريش إلى شعف الجبال، فتحرزوا فيها، ينتظرون ما أبرهة فاعل بمكة إذا دخلها. فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة، وهيا فيله، وعبأ جيشه، وكان اسم الفيل محمودا، وأبرهة مجمع لهدم البيت، ثم الانصراف إلى اليمن، فلما وجهوا الفيل إلى مكة، أقبل نفيل بن حبيب، حتى قام إلى جنب الفيل، ثم أخذ بأذنه فقال له: ابرك محمود، وارجع راشدا من حيث جئت، فإنك في بلد الله الحرام. ثم أرسل أذنه، فبرك الفيل. وخرج نفيل بن حبيب يشتد، حتى أصعد في الجبل. وضربوا الفيل ليقوم فأبى، فضربوا في رأسه بالطبرزين ليقوم فأبى، فأدخلوا محاجن لهم في مراقه، فبزغوه بها ليقوم، فأبى، فوجهوه راجعا إلى اليمن، فقام يهرول ووجهوه إلى الشام، ففعل مثل ذلك، ووجهوه إلى المشرق، ففعل مثل ذلك، ووجهوه إلى مكة فبرك. وأرسل الله عليهم طيرا من البحر، أمثال الخطاطيف والبلسان، مع كل طائر منها ثلاثة أحجار: حجر في منقاره، وحجران في رجليه، أمثال الحمص والعدس، لا تصيب منهم أحدا إلا هلك، وليس كلهم أصابت. وخرجوا هاربين يبتدرون الطريق التي جاءوا منها، ويسألون عن نفيل ابن حبيب، ليدلهم على الطريق إلى اليمن. فقال نفيل بن حبيب حين رأى ما أنزل الله بهم من نقمته: وقال أيضا: فخرجوا يتساقطون بكل طريق، ويهلكون بكل مهلك على كل سهل، وأصيب أبرهة في جسده، وخرجوا به معهم يسقط أنملة أنملة، كلما سقطت منه أنملة أتبعتها منه مدة تمث قيحا ودما، حتى قدموا به صنعاء وهو مثل فرخ الطائر، فما مات حتى انصدع صدره عن قلبه، فيما يزعمون.وقال الكلبي ومقاتل بن سليمان- يزيد أحدهما وينقص-: سبب الفيل ما روي أن فتية من قريش خرجوا تجارا إلى أرض النجاشي، فنزلوا على ساحل البحر إلى بيعة للنصارى، تسميها النصارى الهيكل، فأوقدوا نارا لطعامهم وتركوها وارتحلوا، فهبت ريح عاصف على النار فأضرمت البيعة نارا، فاحترقت، فأتى الصريخ إلى النجاشي فأخبره، فاستشاط غضبا. فأتاه أبرهة بن الصباح وحجر بن شرحبيل وأبو يكسوم الكنديون، وضمنوا له إحراق الكعبة وسبي مكة. وكان النجاشي هو الملك، وأبرهة صاحب الجيش، وأبو يكسوم نديم الملك، وقيل وزير، وحجر بن شرحبيل من قواده، وقال مجاهد: أبو يكسوم هو أبرهة ابن الصباح. فساروا ومعهم الفيل. قال الأكثرون: هو فيل واحد.وقال الضحاك: هي ثمانية فيلة. ونزلوا بذي المجاز، واستاقوا سرح مكة، وفيها إبل عبد المطلب. وأتى الراعي نذيرا، فصعد الصفا، فصاح: وا صباحاه! ثم أخبر الناس بمجيء الجيش والفيل. فخرج عبد المطلب، وتوجه إلى أبرهة، وسأله في إبله. واختلف في النجاشي، هل كان معهم، فقال قوم كان معهم.وقال الأكثرون: لم يكن معهم. ونظر أهل مكة بالطير قد أقبلت من ناحية البحر، فقال عبد المطلب: إن هذه الطير غريبة بأرضنا، وما هي بنجدية ولا تهامية ولا حجازية وإنها أشباه اليعاسيب. وكان في مناقيرها وأرجلها حجارة، فلما أطلت على القوم ألقتها عليهم، حتى هلكوا. قال عطاء بن أبي رباح: جاءت الطير عشية، فباتت ثم صبحتهم بالغداة فرمتهم.وقال الكلبي: في مناقيرها حصى كحصى الخذف، أمام كل فرقة طائر يقودها، أحمر المنقار، أسود الرأس، طويل العنق. فلما جاءت عسكر القوم وتوافت، أهالت ما في مناقيرها على من تحتها، مكتوب على كل حجر اسم صاحبه المقتول به.وقيل: كان كل حجر مكتوب: من أطاع الله نجا، ومن عصاه غوى. ثم انصاعت راجعة من حيث جاءت.وقال العوفي: سألت عنها أبا سعيد الخدري، فقال: حمام مكة منها.وقيل: كان يقع الحجر على بيضة أحدهم فيخرقها، ويقع في دماغه، ويخرق الفيل والدابة. ويغيب الحجر في الأرض من شدة وقعه. وكان أصحاب الفيل ستين ألفا، لم يرجع منهم أحد إلا أميرهم، رجع ومعه شرذمة لطيفة. فلما أخبروا بما رأوا هلكوا.وقال الواقدي: أبرهة جد النجاشي الذي كان في زمان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبرهة هو الاشرم، سمي بذلك لأنه تفاتن مع أرياط، حتى تزاحفا، ثم اتفقا على أن يلتقيا بشخصيهما، فمن غلب فله الامر. فتبارزا- وكان أرياط جسيما عظيما، في يده حربة، وأبرهة قصيرا حادرا حليما ذا دين في النصرانية، ومع أبرهة وزير له يقال له عتودة- فلما دنوا ضرب أرياط بحربته رأس أبرهة، فوقعت على جبينه، فشرمت عينه وأنفه وجبينه وشفته، فلذلك سمي الاشرم. وحمل عتودة على أرياط فقتله. فاجتمعت الحبشة لأبرهة، فغضب النجاشي، وحلف ليجزن ناصية أبرهة، ويطأن بلاده. فجز أبرهة ناصيته وملأ مزودا من تراب أرضه، وبعث بهما إلى النجاشي، وقال: إنما كان عبدك، وأنا عبدك، وأنا أقوم بأمر الحبشة، وقد جززت ناصيتي، وبعثت إليك بتراب أرضي، لتطأه وتبر في يمينك، فرضي عنه النجاشي. ثم بنى أبرهة كنيسة بصنعاء، ليصرف إليها حج العرب، على ما تقدم.الرابعة: قال مقاتل: كان عام الفيل قبل مولد النبي صلى الله عليه بأربعين سنة.وقال الكلبي وعبيد بن عمير: كان قبل مولد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بثلاث وعشرين سنة. والصحيح ما روي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: «ولدت عام الفيل». وروي عنه أنه قال: «يوم الفيل». حكاه الماوردي في التفسير له.وقال في كتاب أعلام النبوة: ولد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول، وكان بعد الفيل بخمسين يوما. ووافق من شهور الروم العشرين من أسباط، في السنة الثانية عشرة من ملك هرمز بن أنوشروان. قال: وحكى أبو جعفر الطبري أن مولد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان لاثنتين وأربعين سنة من ملك أنوشروان. وقد قيل: إنه عليه السلام حملت به أمه آمنة في يوم عاشوراء من المحرم، وولد يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر رمضان، فكانت مدة حمله ثمانية أشهر كملا ويومين من التاسع.وقيل: إنه ولد يوم عاشوراء من شهر المحرم، حكاه ابن شاهين أبو حفص، في فضائل يوم عاشوراء له. ابن العربي: قال ابن وهب عن مالك: ولد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام الفيل، وقال قيس بن مخرمة: ولدت أنا ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام الفيل. وقد روى الناس عن مالك أنه قال: من مروءة الرجل ألا يخبر بسنة، لأنه إن كان صغيرا استحقروه وإن كان كبيرا استهرموه. وهذا قول ضعيف، لان مالكا لا يخبر بسن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويكتم سنه، وهو من أعظم العلماء قدوة به. فلا بأس بأن يخبر الرجل بسنة كان كبيرا أو صغيرا.وقال عبد الملك ابن مروان لعتاب بن أسيد: أنت أكبر أم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال: النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكبر مني، وأنا أسن منه، ولد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام الفيل، وأنا أدركت سائسه وقائده أعميين مقعدين يستطعمان الناس، وقيل لبعض القضاة: كم سنك؟ قال: سن عتاب بن أسيد حين ولاه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة، وكان سنه يومئذ دون العشرين.الخامسة: قال علماؤنا: كانت قصة الفيل فيما بعد من معجزات النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإن كانت قبله وقبل التحدي، لأنها كانت توكيدا لأمره، وتمهيدا لشأنه. ولما تلا عليهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذه السورة، كان بمكة عدد كثير ممن شهد تلك الوقعة، ولهذا قال: أَلَمْ تَرَ ولم يكن بمكة أحد إلا وقد رأى قائد الفيل وسائقه أعميين يتكففان الناس. وقالت عائشة رضي الله عنها مع حداثة سنها: لقد رأيت قائد الفيل وسائقه أعميين يستطعمان الناس.وقال أبو صالح: رأيت في بيت أم هانئ بنت أبي طالب نحوا من قفيزين من تلك الحجارة، سودا مخططة بحمرة.
|